أنين السراب للروائي المغربي امحمد حجريالسلام عليكم و رحمة الله تعالى و بركاته، أقدم لكم اليوم واحدة من أروع الكتابات الروائية المغربية، للكاتب المغربي آمحمد حجري، من مواليد سنة 1962. صدرت مؤخرا عن دار النشر سوماكرام بالبيضاء وهي روايته الثانية بعد رو

السلام عليكم و رحمة الله
تعالى و بركاته، أقدم لكم اليوم واحدة من أروع الكتابات الروائية
المغربية، للكاتب المغربي آمحمد حجري، من مواليد سنة 1962.

صدرت مؤخرا عن دار النشر سوماكرام بالبيضاء وهي روايته الثانية بعد رواية السور 2009 عن إفريقيا الشرق بالبيضاء.

أنين السراب، رواية قال في حقها الأديب والقصاص المغربي الكبير أحمد بوزفور:
"أنين السراب، رواية مشدودة إلى الأقاصي،فهي مؤثرة الحكايات إلى حد يبلغ
الميلودراما، وهي أنيقة اللغة إلى حد يتمنى معه القارئ لو خففت قليلا من
أناقتها حتى لا تشغله عن متابعة الخط الدرامي للرواية.. كم تعددت أساليبها
وتنوعت لغاتها وأصواتها.. لكنها رواية مغرمة بالأقاصي. لا شك أنها ستبلغ
بموضوعها وحبكتها وتأثيرها أقاصي وجدان القارئ أيضا".

وفيما يلي ورقة عن هذه الرواية الجديدة وهي كالتالي:

أنين السراب رواية تتمحور أساسا على
ثلاث مراحل،وهي بذلك تعكس ثلاثة أبعاد من زاوية واحدة.. فهي تسلط الضوء على
ثلاث شخصيات رئيسية، وثلاثة أجيال متعاقبة، وثلاث حقب تاريخية وثلاث
عقليات. ومن هنا تتناسل الثلاثياث من سلوكات وأحداث و معالجات ونتائج...
لذا كنت أفضل أن أعنونها بثلاثية الأجيال بادئ الأمر، لكن عدلت عن ذلك
وسميتها بأنين السراب، ولي في ذلك وجهة نظر كما سأورد لاحقا... وقسمتها منذ
البداية إلى ثلاثة فصول، كل فصل يعالج شخصية من شخصيات الرواية الثلاث،
لكني تراجعت عن ذلك، لأن تلك الفصول كانت غير متقايسة حسب الحيز الذي أخذته
كل شخصية من الرواية..

فالحياة عموما تشكل الوعاء الخصب الذي
ينهل منه أي المؤلف مادته؛ فما يحدث أمامه وما يقرأ وما يسمع ويشاهد ..
كلها أحداث لا تمر دون أن تسجل في ذاكرته بصمتها وأثرها.. وبالتالي فروايتي
هذه منبثقة من رحم الحياة الواسعة التي نحياها على مر الساعة، ومن هنا
تكون أحداثها وحكاياتها لقطات من هنا وهناك.. من الماضي والحاضر.. دون أن
أجزم أنها واقعية في مجملها لأن الخيال له حضوره الأساسي في غزل خيوطها
وبالتالي نسج عباءتها..

وتلك الثلاثيات التي ركز ت عليها الرواية أوردها على النحو التالي:

1- ثلاث شخصيات مهمة تتمحور حولها أحداث
الرواية قاطبة وأذكرها هنا حسب تسلسل ورودها في الرواية: - الحفيد والجد
والأب. لماذا الحفيد أولا، وليس الجد؟ لأنه أولا الشخصية التي ما زالت
بيننا، بمعنى آخر هي شخصية من عصرنا، وأكثر من هذا أن من بيننا الآن من
يصارع نفس مشاكلها ومعاناتها.. زد على هذا أنها لم تكن الشخصية التي تصدرت
الرواية وحسب؛ بل التي أخذت القسط الأوفر من حيزها مقارنة مع الشخصيتين
الأخريين..

2- ثلاث حقب زمنية؛ فكل شخصية تمثل وفق
هذا جيلا، وبالتالي كل جيل يمثل حقبة زمنية خاصة؛ فالجد من زمن يعود
تاريخيا إلى ما قبل الاستقلال. والأب من فترة ما بعد الاستقلال.أما الحفيد،
وهو الراوي في الرواية يمثل فترة تاريخية قريبة جدا من زمننا هذا إلى
الآن.

3- ثلاث عقليات مختلفة؛ومن هنا لكل
شخصية من الشخصيات الثلاث سلوكات خاصة تتفرد بها وتطبعها لتكون المميز لها
من دون أن نقول أنها كانت السائدة في تلك الحقب.

فزمن الجد مسعود عرف إلى حد ما بالتسلط
والتجبر والسلب الشيء الذي نهجه هو شخصيا فسلب بالاحتيال أرضا وشرد أهلها
ومالكيها، واستمر في التسلط وقهر العباد فتجمعت له وفق هذا ثروة كبيرة،
تركها بعد وفاته إرثا لولده قاسم.

لكن هذا الأخير سيبدد تلك الثروة
الهائلة ويفنيها بما عانقه من عربدة وتبذير واستهتار بانغماسه كليا في عالم
الخمر والنساء والقمار لتختفي من حوله أموال وممتلكات كثيرة ليغدو آخر
المطاف فقيرا لا يلوي على شيء.

أما الحفيد ميلود، فقد كان وقت مجيئه عسيرا، فلم يرث غير أزمات وعقد نفسية لازمته طول أيامه وظلت كامنة في صدره من جراء

ما عاناه مع والده وتعسفه على أمه من
جهة وعلى أملاك الأسرة من جهة أخرى. وبالرغم من كل ذلك كان مثابرا فدرس
ونجح وحصل على شهادة عليا.. لكنه مع ذلك بقي عاطلا بدون عمل.. تلك فترة
عصيبة عاشها ميلود فذاق فيها المهانة والذل والحاجة... وآخر المطاف سيغادر
الوطن لينزح بعيدا مهاجرا نحو الخارج مستجديا لقمة العيش… لكن هناك، سيعيش
الغربة والتهميش والتحقير..

الشخصيات الثلاث كانت تئن؛ فميلود يئن
في صمت في أرض المهجر والغربة؛ كان يصدر منه أنين يعبر عن احتراق داخلي
ناجم عن عدم جدوى التعليم الذي تلقاه و الشهادة التي حصل عليها؛ تعليم لم
ينفعه في شيء لا داخل الوطن ولا خارجه.. وبذلك كان سرابا ليس إلا...

والجد، هو الآخر في غابر الزمن لبس رداء
التسلط.. فملك ثروة كبيرة نهبا وحاز أرضا شاسعة ظلما.. ولم يسخر قط ما كان
في يده في أعمال الخير والإحسان تجاه المعوزين والبؤساء والمحرومين؛ بل
وداس على القيم والأخلاق والفضيلة وتسبب في الأزمات الشديدة للكثير من
الخلق من حوله عوض نفعهم ومساندتهم وإغاثتهم.. وبهذا وذاك كان سرابا لا
غير.. وبالتالي لم تسعفه نوبات أنينه حين احتضاره على فراش الموت ليرد
الأرض لأصحابها، والمظالم لأهلها ..

زد على هذا إهمال تربية أبنائه التربية
الصحيحة السليمة.. وتبعا لهذا شب ابنه قاسم يركب غرائزه ويعانق الرذيلة،
إنه الثمرة المرة التي انبثقت من تلك النبتة الفاسدة... فقد قضى أيامه كما
يتراءى السراب من بعيد ويمر.. ولم يهدأ إلا بعدما تخلص من كل ما ملك
بعاداته السيئة وصحبته اللئيمة.. إضافة إلى سوء معاملة أفراد أسرته
القريبين منه، الشيء الذي انعكس بالسلب عليهم نفسيا واقتصاديا واجتماعيا..
فكبرت معهم الحاجة والعقد والتهميش والإحساس بالدونية..وامتزج أنينه مع
حسرته حين ملأ الهواء جيوبه لما ذهبت الأرض وخيراتها.. وبذلك كان سرابا غير
ذي جدوى بالنسبة له ولأهله..

فالشخصيات هذه، كلها مر أو يمر زمانها
دون جلب منفعة أو درء متاعب.. فهم جميعا كالسراب تماما.. تلك شخصيات تختلف
فيما بينها على مستوى العقليات والتوجهات والسلوكات، ولا قاسم مشترك بينها
سوى الضياع الصارخ.. كما أنها وجدت في الحياة منذ زمن بعيد.. وما تزال تعيش
بيننا إلى اليوم.. كما السراب الذي يظهر لنا دوما مع البعد وقيظ الشمس..

وقياسا على بعض من جوانب حياتنا؛ فثمة
أناس أو أجيال تعيش المصاعب والمشاكل المستعصية إن على المستوى الفرد نفسه
أو هيئات أو جماعات و ومن جرائها يعاني هؤلاء الشيء الكثير... إننا نعيش
مشاكل ونحن في غالب الأحيان لم نكن السبب فيها؛ بل

أناس من قبلنا أساؤوا التدبير والتسيير والتخطيط فنتج ما نتج..

فالزمن الغابر مر واندثر لكن أثر سلوكات
أناسه ما زال متغلغلا في كياننا.. فما تعيشه الأجيال القادمة يبنى اليوم..
كما أن ما نعيشه اليوم هو بناء الأمس.. فتعاقب الأجيال يأتي متسلسلا لا
منفصلا.. ووفق هذا فتصرفات الجد وسلوك الأب كان لهما الأثر السلبي العميق
في حياة ميلود الراهنة..

فلماذا ياترى ظل ميولود معطلا بلا عمل؟ لماذا ذهب تعليمه أدراج الرياح؟ ولماذا هاجر إلى خارج أرض الوطن؟ ولماذا اغتيل داخله ذاك

الإنسان الذي من المفروض أن يعيش حياته
بكرامة؟.. أسئلة ومثيلاتها كانت وما تزال تخز ضمائرنا وتهز كياننا وتستفزنا
في الكثير من الأحيان ونحن ننقب لها عن أجوبة مقنعة.. لأنها تحمل بين
طياتها تلك الكرامة الضائعة.. وذاك العيش الكريم المنشود.. وذاك الإنسان
الذي نراه بيننا ينكسر مرات متعددة خلال اليوم الواحد..

ونحن لسنا في موقع المحاسبة؛ بل رصد
الظواهر.. وبالتالي التبصر لما هو آت من الزمن لاتقاء المزالق.. وإن طرح
علينا السؤال، ما الحل؟ أقول ذاك جواب عند المتخصصين في ميادين غير ميدان
الأديب القصصي والروائي والشاعر..

توقيع : marwane02