تصاعدت تلك الرائحة المميزة لخليط الحناء( الخضاب )من الإناء الذي تضعه تلك المرأة ـ الممتهنة لمهنة النقش ـ على أيدي وأذرع النسوة والفتيات المحبات لها ...لست ممن يحبها أو يبغضها ، ولعل المجتمع الذي أعيش بين أضلعه لم يكن مشجعًا
لي بأن أبحث عن تلك الزينة التي توارثتها النسوة ومازلن يتباهين بها !!
لكني خضعت اليوم لها ـ من باب الزينة والتبرّج المطلوب ... مجاراةً للموضة !!
مددت كفي لتلك المرأة ـ فقلبتها بين يديها برهة ، ثم استقر رأيها على النقوش الملائمة
لم أبدي اعتراضًا على ما ارتأته ـ هي ـ مناسبًا لي ...
وجلست ساكنة، أستمتع بمراقبة مهارتها في الرسم ، والنقش ...
سرحت بفكري بعيدًا ـ ما يقارب عشرون عامًا ـ حين كنت عروسًا يتم تزييني بها
كانت تلك آخر مرة أضع فيها الحناء !!
فكرت : هل تلك النقوش و( الرتوش ) هي من تجملنا أمام الغير؟
تململت في مكاني لذلك العارض ، وأعتقد أن تلك الحركة سببت اهتزاز يدي ،
مما سبب تذمر المرأة ، لأني قد خرّبت عليها عملها المتقن !!
ابتسمت بيني وبين نفسي وأنا أحلل الموقف الحاصل:
تلك المرأة ترى أن حركتي ( تخريب ) لعملها ، بينما أراه أنا ( إصلاح ) لوضعيتي في الجلوس !!
أردت أن أقهقه عاليًا ... كم هي غريبةٌ تلك الأمور!!
كيف يمكن أن يكون ( الصح والخطأ ) حكمان صحيحان في نفس الوقت ؟!
رفعت يدي التي انتهت من العبث فيها برسوماتها ـ إلى الأعلى فقد أحسـست بتيبس عضلاتها
وإذا بتلك المرأة تحدجني بنظرة غاضبة ، وكأن لسان حالها يقول :
وماذا بعد ، أيتها المرأة الملولة ؟
تجاهلت نظراتها الغاضبة ، ومازالت أفكاري الخاصة تغريني بمزيد من الإيغال فيها..
أتعجب ـ لما تغضب تلك المرأة ، من هذه الحركات البسيطة ؟
هل ( المرونة ) ورفض ( التجمّد) مدعاة للســخط ؟!
لمع في ذهني خاطرٌ مفاجئ كأنه ومض بارقٍ أزاح بوميضه الخاطف عتمة فكري!!!!!
نهضت من مكاني ، وطفقت أمسح ما جاهدت تلك المرأة في رسمه على ذراعي !
بـُهتت ـ هي ـ وصرخت : ماذا تفعلين ؟؟
قلت : أفعل ما ترينه ـ أزيل ما رسمتِـه أنتِ لي !!
قالت : ولما وافقت على ذلك من البداية ؟
قلت : اكتشفـت...
أنه بمقدورنا العدول عن تلك القرارات التي رُسمت لنا ( باحتراف )!!!
واكتشفـت...
أني لاأريد وشمًا يسمـه الآخرون في صفحة حياتي ...
وإن فعلوه ، فلي القدرة على محوه!!!
لكني ... اكتشفـت...
أن ماوشمته الأقدار على صفحات حياتنا ، من القوة والثبات أننا نعجز أن نزيلها
ولكن فعل الزمن ، والنسيان هما القادران أن يحيلاها إلى مجرد (نقوشٍ باهتة) !!!!
تـُذكّرنا فقط بـأنه...
في يومٍ ما ( كان يا ماكان ) ...
الرئيسية
أحدث الصور
الثلاثاء 16 أبريل 2024, 3:21 pm 
موضوع: نقش حناء * 
الثلاثاء 12 أبريل 2011, 6:47 pm
