كنت أذهب إلى حيث أشاء وكيفما أشاء،لم أك في
حاجة لأحد لكي يساعدني على الحركة،أو يقرب لي
حاجياتي البعيدة،أو يسقيني،أو حتى يطعمني،كنت
أستمتع لأنني كنت أعتمد على نفسي ولا أحتاج لأي
أحد لكي يساعدني في مهامي ونشاطاتي اليومية
لم أفكر في يوم من الأيام بأني سوف أفقد صحتي
صحتي هكذا ،وأشتاق إليها،وأضع كل ثروتي لها
لكي أستردها،فقد أصبت بالشلل الكامل والذي
جعلني طريح الفراش،وكانت زوجته تتولى رعايتي
عند غيابه،وفي حضوره تختفي ولا أرى وجهها،نعم!
لأنها قد ملت مني ومن وجودي معها،ولا تهتم بي إلا
تجنبا لغضب أبي عليها،فكان والدي يهتم بي ويرعاني
ويوصيها مرارا وتكرارا بأن لا تتركن ولو لدقيقة،حتى
جاء في يوم من الأيام ،أنها قد ملت مني،وبينما هي
تطعمني سقطت لقمة من الملعقة في على الأرض،ومن
دون أن تشعر فرغت كل ذلك الغيظ الذي يسكنها منذ
زمن طويل،بصفعات قوية ومتتالية على وجهي،ولم
تكتف بهذا،بل صرخت في وجهي قائلة:لقد مللت منك
ومن خدمتك ومن وجودك في حياتي.
وبينما هي تحاول متابعة صفعي وشتمي،تدخل صديق
والدي وأمسك بيدها،ونهاها عن هذا الفعل الشنيع
وطلب منها أن تترك كل أموري هو يتولاها،وهي يمكنها
بأن ترتاح ،ومن اليوم فصاعدا لن تقوم بخدمتي في أي
شيء،ولم يرد صديق أبي في أن يخبره،حرصا منه
حتى لا يغضب أبي منها ويطلقها،وظل معي يؤنسني
بأحاديثه ومغامراته التي لا يمل منها،ويطعمني من
كل مالذ وطاب من أصناف الطعام،ويطرب مسامعي
بأجمل وأعذب ماتخطه أقلامه من كلمات عندما يقرأها
لي،فلا يترك يوما يمر إلا وقد كان يقضيه معي
ليؤنسني ويرعاني،بينما أبي منهمكا في العمل ويسافر
كثيرا لهذا نادرا ما أراه أو يراني،وهو يظن بأني سعيد
مع زوجته،وبينما أنا في الحقيقة سعيد مع صديقه
وفي يوم صادف بأن أبي قرر السفر لبلاد بعيدة
بسبب عمله سيمكث فيها قرابة الستة أشهر،دون أن
نراه أو يرانا،وعندما فكر بأن يأخذني أنا وزوجته
أقنعه صديقه بأن أظل معه يرعاني ويهتم بي
ومازال بأبي حتى تمكن من إقناعه،وبعد أن ودعنا
وسافر ،خاف صديق أبي علي من زوجة أبي،فقرر
أن يأخذني لأعيش معه حتى يعود أبي،وعندما أخبرها
بما ينويه،دخلت معه في جدال حاد،حتى وصل بها
الأمر بسب وشتم صديق أبي،ولكنه لم يكترث لها
وأخذني رغما عنها،وخصوصا أن أبي سمح له بأن
يعتني بي.
مضى على وجودي في منزله أسبوعا كاملا،وأنا كنت
سعيدا جدا،لدرجة أنني لم أشعر بأني أفتقد أبي،بل
في الحقيقة أرى أن صديق أبي هو أبي،وبعد أسبوع
خرج من الصباح الباكر ولم يعد،وظللت أنتظره
حتى أدبر الصبح وأقبل الليل،والجوع يفتك بمعدتي
والهم يفتك بعقلي وقلبي،وفجأة تأتي زوجة أبي ومعها
أخيها ،ويكسر الباب ويدخلان علي،وتقول لي بكل
برود:لقد أصاب صديق أبيك حادثا ومات من فوره.
لينزل هذا الخبر على قلبي كالصاعقة،فلم أحتمل الخبر
وظللت أبكي وأصرخ عليها وأنعتها بالكاذبة،وأنا لا
أدري هل الحادث من تدبيرها لتنتقم منه؟
أم أنه قضاء وقدر!
وكل ما في الأمر أني سأعود للعذاب معها ريثما يعود
أبي.
منقول
الرئيسية
أحدث الصور
الخميس 21 نوفمبر 2024, 2:48 am 
موضوع: أين أنيسي 
الخميس 30 أغسطس 2018, 7:25 pm
