وفاة جده وكفالة عمه

نهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه ،وضمه إلى أولاده ، وقدمه عليهم ، واختصه بفضل احترام وتقدير ، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه ، ويبسط عليه حمايته ، ويصادق ويخاصم من أجله وظهرت بركة محمد صلى الله عليه وسلم وهو مع عمه في مواقف عديدة منها هذا الموقف : فقد حدث أن أصاب مكة جدب ، فقال بعض كبراء قريش لأبي طالب ، يا أبا طالب أقحط الوادي ، وأجدبت البلاد ، فهلم نستسق فقال أبو طالب: نعم هلم بنا ، فأحضر محمدا صلى الله عليه وسلم ليستسقي للقوم ، وأخذ أبو طالب النبي صلى الله عليه وسلم وألصق ظهره بالكعبة ، ثم أمسك بيديه ورفعهما إلي السماء ودعا ، وبعد أن كانت السماء خالية ليس فيها سحابة واحدة ، إذا بالسحاب يقبل من هنا وهناك ويملأ السماء ، وإذا بالمطر يفيض على الوادي كله. وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه .

وقد حج أحدهم في الجاهلية فإذا به برجل يطوف بالبيت وهو يرتجز ويقول : رب رد إلي راكبي محمدا رده إلي واصطنع عندي يدا فقال:من هذا؟ فقالوا: عبد المطلب بن هاشم ، بعث بابن ابنه محمد في طلب إبل له ولم يبعثه في حاجة إلا نجح فيها ، وقد أبطأ عليه ، فلم يلبث أن جاء محمد والإبل فعانقه ، وقال: يا بني لقد جزعت عليك جزعا لم أجزعه على شيء قط ، والله لا أبعثك في حاجة أبدا ، ولا تفارقني بعد هذا أبدا

بحيرا الراهب

خرج أبو طالب في قافلة تاجرا إلى الشام ، فلما تهيأ للرحيل تعلق به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرق له أبو طالب وقال: والله لأخرجن به معي ولا يفارقني ولا أفارقه أبدا. فخرج به معه ، فلما نزلت القافلة بصرى وبها راهب يقال له "بحيرا" في صومعة له ، وكان أعلم أهل النصرانية ، و كانوا كثيرا ما يمرون به قبل ذلك فلا يكلمهم ولا يعرض لهم حتى كان ذلك العام ، فلما نزلوا قريبا من صومعته صنع لهم طعاما كثيرا .

وذلك أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صومعته وفي الركب حين أقبلوا ، وغمامة تظله من بين القوم ، ثم أقبلوا فنزلوا في ظل شجرة قريبا منه ، فنظر إلى الغمامة حين أظلت الشجرة ، وتدلت أغصان الشجرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى استظل تحتها ، فلما رأى ذلك بحيرا نزل من صومعته ، ثم أرسل إليهم فقال : إني قد صنعت لكم طعاما يا معشر قريش فإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم ، وعبدكم وحركم .

فقال له رجل منهم: والله يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ، فما كنت تصنع هذا بنا وقد كنا نمر بك كثيرا ، فما شأنك اليوم؟ قال له بحيرا : صدقت ، كان قد كان ما تقول ، ولكنكم ضيف ، وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما فتأكلوا منه كلكم. فاجتمعوا إليه وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم تحت الشجرة ، فلما نظر بحيرا في القوم لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده ، فقال: يا معشر قريش ، لا يتخلفن أحد منكم عن طعامي ، قالوا : يا بحيرا ، ما تخلف عنك أحد ينبغي له أن يأتيك إلا غلام ، وهو أحدث القوم سنا فتخلف في رحالهم ، فقال : لا تفعلوا ، ادعوه فليحضر هذا الطعام معكم ، فقال رجل من قريش مع القوم : واللات والعزى ، إن كان للؤم بنا أن يتخلف ابن عبد المطلب عن طعام من بيننا ثم قام فاحتضنه وأجلسه مع القوم ، فلما رآه بحيرا جعل يلحظه لحظا شديدا وينظر إلى أشياء من جسده قد كان يجدها عنده من صفته ، حتى إذا فرغ القوم من طعامهم وتفرقوا قام إليه بحيرا فقال له : يا غلام ، أسألك بحق اللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه ـ وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما ـ فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : لا تسألني باللات والعزى ، فوالله ما أبغضت شيئا قط بغضهما ‍ فقال له بحيرا : فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه .

فقال له : سلني ما بدا لك. فجعل يسأله عن أشياء من حاله في قومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فيوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته ، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته التي عنده .

فلما فرغ أقبل على عمه أبي طالب فقال له: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني قال له بحيرا : ما هو بابنك ، وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حيا. قال : فإنه ابن أخي. قال : فما فعل أبوه؟ قال : مات وأمه حبلى به .

قال : صدقت ، فارجع بابن أخيك إلى بلده واحذر عليه يهود ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن لابن أخيك هذا شأن عظيم! هذا سيد العالمين ، هذا يبعثه الله رحمة للعالمين .

فقال أبو طالب : وما علمك بذلك؟ فقال : إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر ولا شجر إلا وخر ساجدا ، ولا تسجد إلا لنبي ، وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل غضروف كتفه مثل التفاحة ، وإنا نجده في كتبنا ، وسأل أبا طالب أن يرده ، ولا يقدم به إلى الشام ، خوفا عليه من اليهود فبعثه عمه مع بعض غلمانه إلى مكة .

حرب الفجار

ولخمس عشرة سنة من عمره صلى الله عليه وسلم كانت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة وبين قيس عيلان ، وكان قائد قريش وكنانة كلها حرب بن أمية لمكانته فيهم سنا وشرفا ، وكان الظفر في أول الأمر لقيس على كنانة ، وبعد ذلك كان الظفر لكنانة على قيس ، وسميت بحرب الفجار لانتهاك حرمات الحرم والأشهر الحرم فيها ، وقد حضر هذه الحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان ينبل على عمومته ، أي يجهز لهم النبل للرمي. كانت حرب الفجار بالنسبة إلي قريش دفاعا عن قداسة الأشهر الحرم ،ومكانة أرض الحرم .

وهذه الشعائر بقية مما احترم العرب من دين إبراهيم وكان احترامها مصدر نفع كبير لهم ، وضمانا لانتظام مصالحهم وهدوء عداواتهم ، ولكن أهل الجاهلية ما لبثوا أن ابتلوا بمن استباحها ، فظلموا أنفسهم بالقتال في تلك الأشهر الحرم ، وكانت حرب الفجار من آثار هذه الاستباحة الجائرة ، وقد ظلت أربعة أعوام ، كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم أثناءها بين الخمسة عشر والتسعة عشر .

حلف الفضول

على إثر حرب الفجار وقع حلف الفضول في ذي القعدة في شهر حرام ، تداعت إليه قبائل من قريش : بنو هاشم وبنو المطلب ،وأسد بن عبدالعزى ، وزهرة بن كلاب ، وتيم بن مرة ، فاجتمعوا في دار عبدالله بن جدعان التيمي لسنه وشرفه ، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه ،وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته ، وشهد هذا الحلف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بعد أن أكرمه الله بالرسالة : لقد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت .

جد في الصبا وكفاح في الشباب

عاش محمد صلى الله عليه وسلم مع عمه حياة الكدح فليس من شأن الرجال أن يقعدوا .

ومن قبله كان المرسلون يأكلون من عمل أيديهم ، ويحترفون مهنا شتى ليعيشوا على كسبها .

وقد صح أن محمدا عليه الصلاة والسلام اشتغل صدر حياته برعي الغنم وقال :كنت أرعاها علي قراريط لأهل مكة ، كما ثبت أن عددا من الأنبياء اشتغل برعايتها ، وقد أحاطته العناية الإلهية وهو في تلك السن المبكرة من جميع مظاهر العبث أو اللهو التي كانت شائعة آنذاك ، لقد جمع الله لنبيه منذ صغره خير ما في طبقات الناس من ميزات ، وكان طرازا رفيعا من الفكر الصائب والنظر السديد ، ونال حظا وافرا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف ، وكان يستعين بصمته الطويل على طول التأمل وإدمان الفكرة واستنتاج الحق ، وطالع بعقله الخصب وفطرته الصافية صحائف الحياة وشئون الناس وأحوال الجماعات فأبى ما فيها من خرافة ونأى عنها ، ثم عايش الناس على بصيرة من أمره وأمرهم ، فما وجد حسنا شارك فيه ، وإلا عاد إلى عزلته العتيدة ، فكان لا يشرب الخمر ، ولا يأكل مما ذبح على النصب ، ولا يحضر للأوثان عيدا ، ولا احتفالا ، بل كان من أول نشأته نافرا من هذه المعبودات الباطلة ، حتى لم يكن شيء أبغض إليه منها ، وحتى كان لا يصبر على سماع الحلف باللات والعزى .

ولا شك أن القدر حاطه بالحفظ ، فعندما تتحرك نوازع النفس لاستطلاع بعض متع الدنيا ، وعندما يرضى باتباع بعض التقاليد غير المحمودة تتدخل العناية الربانية للحيلولة بينه وبينها ، روى ابن الأثير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني وبينه ، ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته ، قلت ليلة للغلام الذي يرعى معي الغنم بأعلى مكة : لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة وأسمر بها كما يسمر الشباب ! فقال : أفعل ، فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة سمعت عزفا ، فقلت ما هذا ؟ فقالوا عرس فلان بفلانة ، فجلست أسمع فضرب الله على أذني فنمت ، فما أيقظني إلا حر الشمس فعدت إلى صاحبي فسألني ، فأخبرته ثم قلت ليلة أخرى مثل ذلك ، ودخلت بمكة فأصابني مثل أول ليلة .. ثم ما هممت بسوء".

وروى البخاري عن جابر بن عبدالله قال : لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة ، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم : اجعل إزارك على رقبتك يقيك من الحجارة ففعل فخر إلى الأرض ، وطمحت عيناه إلى السماء ( أي نظر لأعلى وتعلقت عيناه بالسماء ) ثم أفاق فقال : إزاري ، إزاري ، فشد عليه إزاره ، فما رؤيت له عورة بعد ذلك .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز في قومه بخلال عذبة وأخلاق فاضلة ، وشمائل كريمة فكان أفضل قومه مروءة ، وأحسنهم خلقا ، وأعزهم جوارا ، وأعظمهم حلما ، وأصدقهم حديثا ، وألينهم عريكة ( العريكة : الطبيعة والمعاملة ) وأعفهم نفسا ، وأكرمهم خيرا ، وأبرهم عملا ، وأوفاهم عهدا ، وآمنهم أمانة ، حتى سماه قومه " الأمين " ؛ لما جمع فيه من الأحوال الصالحة والخصال المرضية ولما بلغ صلى الله عليه وسلم الخامسة والعشرين من سنه خرج تاجرا إلى الشام في مال خديجة رضى الله عنها ، وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال ، تستأجر الرجال في مالها ليتاجروا لها ، فلما بلغها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بلغها من صدق حديثه ، وعظم أمانته وكرم أخلاقه بعثت إليه ، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا ، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار ، مع غلام لها يقال له ميسرة ، فقبله رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ، وخرج في مالها ذلك ، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدما إلي الشام .

زواجه من السيدة خديجة رضى الله عنها

خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا في مال السيدة خديجة ، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام .

فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل شجرة قريبا من صومعة راهب من الرهبان يدعى نسطورا ، فاطلع الراهب إلى ميسرة فقال : من هذا الرجل الذي نزل تحت هذه الشجرة ؟ قال له ميسرة : هذا رجل من قريش من أهل الحرم .

فقال له الراهب : ما نزل تحت هذه الشجرة قط إلا نبي! ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سلعته التي خرج بها ، واشترى ما أراد أن يشتري ، ثم أقبل عائدا إلى مكة ، فكان ميسرة إذا كانت الظهيرة واشتد الحر يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو يسير على بعيره ، فلما قدم مكة على خديجة بمالها باعت ما جاء به فربح الضعف أو قريبا .

ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا ، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه صلى الله عليه وسلم من خلال عذبة ، وشمائل كريمة ، وفكر راجح ، ومنطق صادق ، ونهج أمين ، وعرفت أنها وجدت ضالتها المنشودة ـ وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها ، فتأبى عليهم ذلك ـ فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية ، وهذه ذهبت إليه صلى الله عليه وسلم تفاتحه أن يتزوج خديجة ، فرضي بذلك ، وكلم أعمامه فذهبوا إلى عم خديجة وخطبوها إليه ، وعلى إثر ذلك تم الزواج ، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر ، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين ، وأصدقها عشرين من الإبل ، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة ،وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبا وثروة وعقلا ، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت .

وقد استأنف محمد عليه الصلاة والسلام ما ألفه بعد زواجه من حياة التأمل والعزلة .

وهجر ما كان عليه العرب في احتفالاتهم الصاخبة من إدمان ولغو وقمار ، وإن لم يقطعه ذلك عن إدارة تجارته ،وتدبير معايشه ، والضرب في الأرض والمشي في الأسواق .

إن حياة الرجل العاقل وسط جماعة طائشة تقتضي ضروبا من الحذر والروية ، وخصوصا إذا كان الرجل علي خلق عظيم يتسم بلين الجانب وبسط الوجه

بناء الكعبة وقضية التحكيم

ولخمس وثلاثين سنة من مولده صلى الله عليه وسلم قامت قريش ببناء الكعبة ، وذلك لأن الكعبة كانت عبارة عن حجارة مرصوصة ارتفاعها تسعة أذرع من عهد إسماعيل ، ولم يكن لها سقف ، فسرق بعض اللصوص كنزها الذي كان في جوفها ، وكانت مع ذلك قد تعرضت ـ باعتبارها أثرا قديما ـ للعوامل الجوية التي أضعفت بنيانها ، وصدعت جدرانها .

وقبل بعثه صلى الله عليه وسلم بخمس سنين جرف مكة سيل عرم ، انحدر إلى البيت الحرام ، فأوشكت الكعبة منه على الانهيار فاضطرت قريش إلى تجديد بنائها حرصا على مكانتها ، واتفقوا على أن لا يدخلوا في بنائها إلا طيبا ، فلا يدخلوا فيها مهر بغي ، ولا بيع ربا ، ولا مظلمة أحد من الناس ، وكانوا يهابون هدمها ، فابتدأ بها الوليد بن المغيرة المخزومي ، وتبعه الناس لما رأوا أنه لم يصبه شيء ، ولم يزالوا في الهدم حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم ، ثم أرادوا الأخذ في البناء ، فجزأوا الكعبة وخصصوا لكل قبيلة جزءا منها فجمعت كل قبيلة حجارة على حدة وأخذوا يبنونها ، وتولى البناء بناء رومي اسمه باقوم ، ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يمتاز بشرف وضعه في مكانه واستمر النزاع أربع ليال أو خمسا واشتد حتى كاد يتحول إلى حرب ضروس في أرض الحرم ، إلا أن أبا أمية بن المغيرة المخزومي عرض عليهم أن يحكموا فيما شجر بينهم أول داخل عليهم من باب المسجد فارتضوه ، وشاء الله أن يكون ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوه هتفوا : هذا الأمين رضيناه ، هذا محمد ، فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر طلب رداء ، فوضع الحجر وسطه وطلب من رؤساء القبائل المتنازعين أن يمسكوا جميعا بأطراف الرداء ، وأمرهم أن يرفعوه ، حتى إذا أوصلوه إلى موضعه أخذه بيده فوضعه في مكانه ، وكان هذا حلا حصيفا رضى به القوم .

ولم تكف النفقة الطيبة التي أخرجتها قريش تكاليف البناء ، فأخرجوا من الجهة الشمالية نحوا من ستة أذرع ، وهي التي تسمي بالحجر والحطيم ، ورفعوا بابها من الأرض لئلا يدخلها إلا من أرادوا ،ولما بلغ البناء خمسة عشر ذراعا سقفوه على ستة أعمدة